اجتمع اليوم 12 نوفمبر 2016 م بمبادرة من المعهد الموريتاني للدراسات الاستراتيجية - بمنتجع تنادي - ثلاثون من كبار الشخصيات الوطنية، المفكرين وأساتذة الجامعة، والخبراء في مجال القانون الدستوري، والقضاء، والإعلامين، والحقوقيين، والإداريين، وقادة الرأي والمجتمع المدني من الجنسين.
وقد بدأت الورشة على تمام الساعة 09:00 صباحا، بكلمة تأطيرية لمدير المعهد الموريتاني للدراسات الاستراتيجية السيد دحان أحمد محمود. طرح فيها جملة من الأسئلة المهمة حول طبيعة الدولة الموريتانية المنشودة في ظل التحولات الدولية والإقليمية، وسبل الحفاظ على هذه الدولة، والاتفاق على محددات واضحة لمصلحتها وكيفية التغلب علي التحديات التي تواجهها وأهم الورشات التي يجب عليها إنجازها.
ثم وزعت على المشاركين ثلاث استمارات تتضمن كل واحدة منها سؤالا عن أهم:
• خمس قيم مرجعية للدولة الموريتانية
• خمس تحديات كبرى تواجه الدولة الموريتانية
• وخمس ورشات إصلاحية يجب على الدولة الموريتانية القيام بها
وترتيب الإجابات حسب أولوية كل منها عند المشارك.
وبعد فرز هذه الاستمارات بشكل دقيق، وتنسيب الإجابات حسب ورودها في الاستمارات المعبأة من المشاركين، تم تصنيفها إلى ثلاثة محاور أساسية، تُمثل خلاصة التوافقات الإجماعية، والقواسم المشتركة التي عبرت عنها إجابات المشاركين.
خصصت جلسة عامة لمناقشة هذه الإجابات بشكل جماعي مستفيض، تلتها ثلاث ورشات متخصصة لتعميق وإثراء النقاش العام، حول هذه المحاور الثلاث الكبرى.
وقد وقف المشاركون بالتفصيل عند أبرز العوائق والتحديات، التي تواجه المجتمع الموريتاني، وركزوا – بشكل خاص – على التحديات ذات الصلة ببناء الدولة الموريتانية، وهياكلها المؤسسية، وقضايا الوحدة الوطنية، وما يتعلق بها من إشكالات التعايش بين مكونات المجتمع الموريتاني، وتجربة إدارة الدولة للملفات الوطنية الكبرى .
وقد تطرق بعض المشاركين لموضوع الرق باعتباره من أخطر معوقات الاندماج الوطني، مسجلين تقصير السلطات العمومية في تطبيق القوانين والإصلاحات التي تم وضعها لمحاربة هذه الظاهرة. ومعالجة مخلفاتها. التي تنعكس في مختلف أوجه الحياة الاجتماعية، وفي مستوى الولوج العادل إلى الخدمات العمومية. وفي هذا السياق أشار بعض المشاركين إلى أن هذه الظاهرة لا تخص مكونا واحدا من مكونات المجتمع الموريتاني بل هي ظاهرة اجتماعية تهم كل الموريتانيينّ، ويقع على عواتقهم جميعا واجب التضامن من أجل القضاء عليها بإرادة صادقة، وتصميم حقيقي.
كما ركز بعض المشاركين على ضرورة أخذ الدروس اللازمة، واستخلاص العبر من الهزات الاجتماعية التي عرفتها البلاد، في الحقبة الماضية، من أجل استكمال تسوية ملفات حقوق الإنسان العالقة، والحيلولة دون تكرار أخطاء الماضي، بما من شأنه أن يسهم في ترسيخ الوحدة الوطنية والدفاع عنها. كما أشار البعض إلى ضرورة تفعيل علاقة موريتانيا بمحيطها الإقليمي في دوائره المتعددة بما يعزز التكامل والشراكة بين بلدان المنطقة وشعوبها.
وقد اعتبر المشاركون أن بناء الدولة الموريتانية وتوطيد مؤسساتها الدستورية هو الضمانة الأكيدة لنهوض المجتمع، معتبرين أن المرتكزات الموضوعية للاندماج الوطني قوية وصلبة. وبهذا الخصوص أشار البعض إلى دور اللغات الوطنية في توطيد مرتكزات الهوية الوطنية المشتركة وتجذيرها وإغنائها .
ومن هذا المنظور تكتسي المقاربة الديمقراطية أهمية خاصة من حيث هي الإطار الحقيقي لتفعيل سيادة الشعب وبناء الحكم الرشيد، وطالب المشاركون بترسيخ المكاسب الديمقراطية من خلال بناء وتفعيل آليات ونظم دولة القانون ، والقضاء على مظاهر ورواسب وآثار التفاوت الاجتماعي الناتج عن تحكم النزعات العرقية والقبلية والفئوية.
وفي هذا المضمار يندرج إصلاح القضاء باعتباره من أهم آليات العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الإنسان، وإنهاء التفاوت الاجتماعي . كما أن إصلاح الإدارة في مختلف مستوياتها ومجالاتها [ الإدارة الاقليمية، والإصلاح العقاري والزراعي ]، هو من الآليات الأساسية لتفعيل دولة المواطنة والمؤسسات.
كما تعرض المشاركون بالتفصيل إلى الإشكالات والعوائق التي تعانيها المدرسة العمومية التي اعتبر البعض أنها في طور الاحتضار، ولم تعد تشكل حاضنة للوحدة الوطنية، كما أنها لم تعد جسرا للتشغيل والانتاجية، بل صارت تجسد الغبن والتهميش لكثير من أبناء الشعب، فطالبوا بالقيام بإصلاح تربوي شامل، يراعي التحديات الحقيقية المرتبطة بالمدرسة من أجل تحقيق متطلبات الاندماج الوطني، والتشغيل، والترقية الاجتماعية.
وتناول المشاركون التحديات التنموية الكبرى، وتوقفوا مطولا عند مظاهر الفقر والغبن والتهميش الاجتماعي، واشار البعض إلى أن هذه التحديات تعرض الأمن الاجتماعي للخطر ، ومن ثم ضرورة اعتماد استراتيجيات حقيقية وفعالة تنطلق من الحاجيات الموضوعية للمواطنين. وألمح البعض إلى ضرورة وضع سياسات تمييز إيجابي لصالح الفئات الأقل استفادة من السياسات العمومية، أو ضعيفة الحضور في النشاط الانتاجي.
ومن هنا أهمية اعتماد مفهوم التنمية الانسانية المستدامة بمختلف معانيها التي تشمل الحريات العامة، وتمكين المرأة والشباب، ومراعاة مقتضيات البيئة التي تحولت إلى إحدى أهم التحديات الكونية .
وتعرض المشاركون إلى التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد على غرار بلدان المنطقةّ، مطالبين بضرورة وضع السياسات والآليات المناسبة لحماية المواطن والوطن مع مراعاة حقوق الإنسان. وفي هذا السياق أشار البعض إلى التحدي الناجم عن وسائل الإعلام الجديدة، من إعلام فضائي وإلكتروني واجتماعي، أصبح له التأثير الفاعل في كثير من الأوساط الاجتماعية العريضة، بما يقتضي وضع الضوابط والنظم الكفيلة بالاستفادة منه واحتواء آثاره السلبية .
وبعد النقاش التفاعلي المستفيض، في الجلسة العامة والورشات الثلاث المتخصصة، أصدر المشاركون الوثيقة التالية :
• استنادا إلى القيم الجمهورية التي نص عليها دستور 20 يوليو 1991م، والتعديلات التي أجريت عليه في يونيو 2006مـ، ومارس 2012م.
• واعتبارا أن المواطنة حق ثابت - لا يقبل التنازل - لكل مواطن، يترتب عليه الإسهام في إدارة الشأن العمومي لبلده، سواء بطريقة مباشرة، أو عن طريق ممثلي الشعب المنتخبين، كما يترتب عليه واجب الخضوع لقوانين ونظم الدولة.
• ونظرا إلى أن الأمن والسلم والتنمية حقوق أساسية للفرد والمجموعة، لا يمكن انتهاكها مهما كان السبب والدافع .
• واعتبار أن المدنية سلوك فردي وجماعي، يترجم التعلق بالوطن واحترام مؤسسات الجمهورية، والحفاظ على ممتلكات الدولة والتزام المواطن بالإسهام بالتقدم الاقتصادي والاجتماعي لبلده.

أولا: القيم الخمس المرجعية
إن هذه القيم المرجية تستند إلى الاسلام بصفته القاسم المشترك بين جميع الموريتانيين، ودعامة الوحدة الوطنية، وضمانة الحقوق العادلة لكل المواطنين، وهي:
1. توطيد قيم المواطنة القائمة على المساواة والإنصاف، وتكافؤ الفرص، والولاء للدولة الوطنية ضمن قواعد وقوانين التضامن والعيش المشترك في كنف دولة موريتانية واحدة بحدودها المعترف بها دوليا.
2. تعزيز قيمة الكرامة الإنسانية، باعتبارها الركيزة الأساسية لحقوق الإنسان، والخلفية المرجعية لكل القوانين المتعلقة بالمواطن.
3. تدعيم الوحدة الوطنية بين مختلف مكونات المجتمع الموريتاني، في تكاملها وتنوعها.
4. ترسيخ قيم الشرعية القائمة على الحرية، والعدل، والشورى، والتسامح والسلم، والديمقراطية التعددية، والمبادئ الكونية، ضمن ثوابتنا الدينية والحضارية.
5. تعزيز التنمية الإنسانية – بمفهومها الشامل – القائم على معايير الإبداع، والانتاجية والتضامن والعدالة الاجتماعية، واعتماد سياسات الحكم الرشيد، في تدبير الشأن العمومي، وتمكين المرأة والشباب، وترقية الفئات المهمشة اجتماعيا.

ثانيا: التحديات الخمس الكبرى
1. معوقات الاندماج الوطني المترتبة على الرق ومخلفات انتهاك حقوق الإنسان، والتفاوت الاجتماعي والمناطقي، وعدم التوزيع العادل للثروة.
2. الفقر والبطالة وضعف التكوين التربوي والمهني، وتردي الخدمات العمومية المقدمة للمواطن، وفي مقدمتها الخدمات التعليمية التي تضمنها المدرسة الجمهورية المُوحِدة
3. الفساد الإداري والمؤسسي المتعلق بالبناء الهيكلي للدولة وسياساتها العمومية، وعلاقتها بالمواطن في ما يتعلق بحقوقه السياسية والمدنية .
4. اختلال النظام القضائي وأثره السلبي على حقوق المواطن، وثقته بالدولة، وطرد الاستمارات الأجنبية.
5. التطرف، وانتشار العنف، والتحديات الأمنية في أبعادها المحلية وتأثيراتها الإقليمية
ثالثا : الورشات الخمس الإصلاحية الكبرى
1. الإصلاح الإداري والمؤسسي، بما يضمن بناء هيكلة عامة وشاملة جديدة للمصالح الحكومية بغية تقريبها من المواطن، وتهيئة الفرص الوظيفية والترقية الإدارية للموظف وفق معايير شفافة ونزيهة. بما يتلاءم مع الحاجات الموضوعية للمواطن. مع وضع آليات الرقابة الضرورية لحسن ترشيد موارد الدولة والتوزيع العادل للخدمات العمومية.
2. الإصلاح التربوي، بما يضمن توفير المصادر البشرية الضرورية للدولة، وتوطيد قيم المواطنة والتعايش السلمي والتنوع. وتنمية روح الإبداع، وتحصين الأجيال ضد التطرف والعنف.
3. الإصلاح القضائي، بتنمية قدراته الذاتية، وضمان استقلاليته. والتأهيل المستمر للقضاة وأعوان العدالة، ومصالحته مع الهوية الوطنية. وتحويل القضاء إلى أداة اساسية من أوات التنمية واستقطاب الاستثمار .
4. الإصلاح الاقتصادي والمالي ضمن منظور تنموي شامل، بوضع تشخيص شامل ودقيق للاختلالات التي يعانيها الاقتصاد الوطني من حيث التنافسية والقيمة المضافة والاستدامة، و التحديد الدقيق لوظائف الدولة في المجال التنموي والاقتصادي، وتعزيز الأدوار التكاملية بين القطاعين العام والخاص تنظيما وتحكيما وتسييرا.
5. تحديث الدولة والمجتمع من خلال السياسات التربوية والثقافية والاعلامية، والاستفادة من مراكز الدراسة والتفكير والاستشراف ضمن مشروع مجتمعي وطني متكامل.